فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}
والحق سبحانه وتعالى لأنه لا إله إلا هو، إذا وعد فلابد أن يتحقق وعده، وإذا أوعد فلابد أن يأتي وعبده. والوعد إذا أطلق فهو في الخير، والوعيد يكون في الشر. والذي يخلف الوعد أو الوعيد من الخلق فهذا أمر متوقع لأنه من الأغيار، فيتغير رأيه فلم يعد أهلًا لهذا الوعد؛ لأنه ربما يكون قد وعد بشيء كان يظن أنه في مكنته، وبعد ذلك خرج عن مكنته، فليس له سيطرة على الأشياء، لكن إذا كان من وعد قادرًا، ولا يوجد إله آخر يناقضه فيما وعد أو أوعد به فلابد أن يتحقق الوعد أو يأتي الوعيد.. ولذلك حينما يحكم الله حكمًا فالمؤمن يأخذ هذا الحكم قضية مسلمة؛ لأنه لا إله مع الله سيغير الحكم، وسبحانه ليس من الأغيار، والمثال أنه قال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سيصلى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وامرأته حَمَّالَةَ الحطب فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} [المسد: 1-5]
وهذا وعيد في أمر لهم فيه اختيار، ومع ذلك لم يسلموا. وجاء بعدها ما يؤكد لكل مسلم: إياك أن تأخذ هذه القضية مأخذ الشك، وتقول: قد يتوب أبو لهب هذا وزوجه ويسلمان، ألم تتب هند؟! ألم يسلم أبو سفيان؟!. لكنه سبحانه عالم بما يصير إليه اختيار أبي لهب واختيار زوجه، وإن كان كل منهما مختارًا، ولا يوجد إله سواه ليغير الأمر عما قال. {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ...} [الإخلاص: 1]
أي لا يوجد إله أخر ليعدل هذا الأمر. {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: 134]
قد يظن بعض الناس أن الله قد يأتي بما وعد به لكنهم قد يهربون منه، ولكن ليس الأمر كما يظنون؛ فالوعد آت وأنتم لا تستطيعون الهرب منه، ولا أحد بقادر على أن يمنع الله عن تحقيق ما وعد أو أوعد، ولن تفروا من وعده أو وعيده، ولن تغلبوا الله أو تفوتوه وتعجزوه؛ فالله غالب على أمره. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمل وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أبي سعيد الخدري قال: اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر، إن أسامة لطويل الأمل...! والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي وطننت أن شفري يلتقيان حتى أقبض، ولا رفعت طرفي وظننت إني واضعة حتى أقبض، ولا لقمت لقمة فظننت أني أسيغها حتى أغص بالموت. يا بني آدم إن كنتم تعقلون فَعِدُوا أنفسكم في الموتى، والذي نفسي بيده {إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {وما أنتم بمعجزين} قال: بسابقين. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إنَّما تُوعدون لآتٍ} مَا بِمَعْنَى الَّذِي وليست الكَافَّة، و{تُوعَدُون} صلتها، والعَائِد مَحْذُوف، أي: إنَّ ما تُوعدُونَهُ و{لآتٍ} خبر مؤكَّد باللاَّمٍ.
قال الحسن: ما تُوعَدُون من مَجِيء السَّاعة؛ لأنهم كَانُوا يُنْكِرُون الحَشْر. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}
الإشارة من هذه الآية إلى قِصَر الأمل، ومَنْ قصُرَ أملُه حَسُنَ عملُه، وكل ما هو آتٍ فقريبٌ أجَلُه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (135):

قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما تقرر ذلك من التهديد على إنكار البعث وتحرر، فأنتج الاجتهاد للعاقل- ولابد- في العمل، وكان أكثر الخلق أحق، أمره سبحانه بالنصيحة بقوله: {قل يا قوم} أي يا أقرب الخلق إليّ وأعزهم عليّ ومن لهم قيام في الأمور وكفاية عند المهمات {اعملوا} وأشار إلى مزيد القوة بعد التعبير بالقوم بحرف الاستعلاء فقال: {على مكانتكم} أي على ما لكم من القدرة على العمل والمكنة قبل أن تأتي الدواهي وتسبقكم القواصم بخفوق الأجل، وفيه مع النصيحة تخويف أشد مما قبله، لأن تهديد الحاضر على لسان الغير مع الإعراض أشد من مواجهته بالتهديد، أي أنكم لم تقبلوا بذلك التهديد الأول كنتم أهلًا للإعراض والبعد.
ولما كان أدل شيء على النصيحة مبادرة الناصح إلى مباشرة ما نصح به ودعا إليه، قال مستانفًا أو معللًا: {إني عامل} أي على مكانتي وبقدر استطاعتي قبل الفوت بحادث الموت، ويمكن أن يكون متمحضًا للتهديد، فيكون المعنى: اعملوا بما أنتم تعملونه الآن من مخالفتي بغاية ما لكم من القوة، إني كذلك أعمل فيما جئت به.
ولما كان وقوع المتوعد به سببًا للعلم بالعاقبة، وكان السياق لعدم تذكرهم وغرورهم وقلة فطنتهم، حسن إثبات الفاء في قوله: دون إسقاطها لأن الاستئناف يتعطف للسؤال فقال: {فسوف تعلمون} أي يقع لكم بوعد لا خلف فيه العلم، فكأنه قيل: أيّ علم؟ فقيل: {من تكون له} كونًا كأنه جبل عليه {عاقبة الدار} أي بيني وبينكم، وهذا في إثبات الفاء بخلاف ما في قصة شعيب عليه السلام من سورة هود عليه السلام في حذفها؛ ولما كان التقدير جوابًا لما تقرر من سؤالهم: عاقبة الدار للعامل العدل، استأنف قوله: {إنه لا يفلح الظالمون} أي الغريقون في الظلم كائنين من كانوا، فلا يكون لهم عاقبة الدار، فالآية من الاحتباك: ذكرُ العاقبة أولًا دليل على حذفها ثانيًا، وذكر الظلم ثانيًا دليل على حذف العدل أولًا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه لما بين بقوله: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لآتٍ} أمر رسوله من بعده أن يهدد من ينكر البعث عن الكفار، فقال: {قُلْ ياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} وفيه مباحث:
البحث الأول: قرأ أبو بكر عن عاصم {مكاناتكم} بالألف، على الجمع في كل القرآن، والباقون {مَكَانَتِكُمْ} قال الواحدي: والوجه الإفراد، لأنه مصدر، والمصادر في أكثر الأمر مفردة، وقد تجمع أيضًا في بعض الأحوال، إلا أن الغالب هو الأول.
البحث الثاني: قال صاحب الكشاف: المكانة تكون مصدرًا، يقال: مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن، وبمعنى المكان، يقال: مكان ومكانة، ومقام ومقامة، فقوله: {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} يحتمل اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، ويحتمل أيضًا أن يراد اعملوا على حالتكم التي أنتم عليها يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة: على مكانتك يا فلان، أي اثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه {إِنّى عامل} أي أنا عامل على مكانتي، التي عليها، والمعنى: اثبتوا على كفركم وعداوتكم، فأني ثابت على الإسلام، وعلى مضارتكم {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أيناله العاقبة المحمودة، وطريقة هذا الأمر طريقة قوله: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} وهي تفويض الأمر إليهم على سبيل التهديد.
البحث الثالث: من في قوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار} ذكر الفراء في موضعه من الإعراب وجهين: الأول: أنه نصب لوقوع العلم عليه.
الثاني: أن يكون رفعًا على معنى: تعلمون أينا تكون له عاقبة الدار، كقوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} [الكهف: 12].
البحث الرابع: قوله: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار} يوهم أن الكافر ليست له عاقبة الدار، وذلك مشكل.
قلنا: العاقبة، تكون على الكافر ولا تكون له، كما يقال: له الكثرة ولهم الظفر، وفي ضده يقال: عليكم الكثرة والظفر.
البحث الخامس: قرأ حمزة والكسائي {مَّن يَكُونُ} بالياء وفي القصص أيضًا والباقون بالتاء في السورتين.
قال الواحدي: العاقبة مصدر كالعافية، وتأنيثه غير حقيقي، فمن أنث، فكقوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} [المؤمنون: 41] ومن ذكر فكقوله: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67] وقال: {قَدْ جَاءتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مّن رَّبّكُمْ} [يونس: 57] وفي آية أخرى: {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ} [البقرة: 275].
ثم قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} والغرض منه بيان أن قوله: {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} تهديد وتخويف لا أنه أمر وطلب، ومعناه: أن هؤلاء الكفار لا يفلحون ولا يفوزون بمطالبهم ألبتة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{قُلْ يا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} أي: على موضعكم.
يقال: مكان ومكانة مثل منزل ومنزلة.
ومعناه اعملوا على ما أنتم عليه.
ويقال: معناه اجتهدوا في إهلاكي ما استطعتم ويقال: اعملوا في منازلكم من الخير والشر فإنكم تجزون بهما لا محالة.
{إِنّى عامل} بما أوحى الله إلي ويقال: اعملوا بمكاني وأنا عامل بمكانكم.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار} فهذا وعيد من الله تعالى.
يقول: نبيّن لكم من تكون له عاقبة الأمر في الدنيا، ومن تكون له الجنة في الآخرة.
ثم قال: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} مخاطبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي: في الآخرة، ولا يأمن المشركون.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} في جميع القرآن بلفظ الجماعة.
وقرأ الباقون {مَكَانَتِكُمْ}.
وقرأ حمزة والكسائي {مَّن يَكُونُ} بالياء لأنه انصرف إلى المعنى وهو الثواب والباقون قرؤوا بالتاء لأن لفظ العاقبة لفظ مؤنث. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قُلْ} يا محمد لهم {يَا قَوْمِ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ}.
قال ابن عباس: على ناحيتكم. قال ابن زيد: على حيالكم. يمان: على مذاهبكم. عطاء: على حالتكم التي أنتم عليها. مقاتل: على جديلتكم. مجاهد: على وتيرتكم. الكلبي: على منازلكم. وقيل: إعملوا ما أمكنكم.
قرأ السلمي وعاصم: مكانًا لكم على الجمع في كل القرآن.
{إِنَّي عَامِلٌ} يقول اعملوا ما أنتم عاملون فإني عامل ما أمرني ربي، وهذا أمر وعيد وتهديد لا أمر إباحة وإطلاق كقوله: {اعملوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40].
وقال الكلبي: معناه إعملوا ما أمكنكم من أمري فإني عامل في أموركم بإهلاك.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ} قرأ مجاهد وأهل الكوفة: يكون بالياء، الباقون: بالتاء، {لَهُ عَاقِبَةُ الدار} يعني الجنة {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} أي لا يأمن الكافرون.
قال عطاء: لا يبعد. وقال الضحاك: لا يفوز. وقال عكرمة: لا يبقى في الثواب. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {على مكانتكم} وقرأ أبو بكر عن عاصم {مكاناتكم} على الجمع.
قال ابن قتيبة: أي: على موضعكم يقال: مكان ومكانة، ومنزل ومنزلة، وقال الزجاج: اعملوا على تمكنكم.
قال: ويجوز أن يكون المعنى: اعملوا على ما أنتم عليه.
تقول للرجل إذا أمرته أن يثبت على حال: كن على مكانتك.
قوله تعالى: {إني عامل} أي: عامل ما أمرني به ربي {فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم، تكون بالتاء وقرأ حمزة، والكسائي: بالياء.
وكذلك خلافهم في [القصص: 37]، ووجه التأنيث: اللفظ، ووجه التذكير: أنه ليس بتأنيث حقيقي.
وعاقبة الدار: الجنة، والظالمون هاهنا: المشركون.
فإن قيل: ظاهر هذه الآية أمرهم بالإقامة على ما هم عليه، وذلك لا يجوز.
فالجواب: أن معنى هذا الأمر المبالغة في الوعيد؛ فكأنه قال: أقيموا على ما أنتم عليه، إن رضيتم بالعذاب، قاله الزجاج.
فصل:
وفي هذه الآية قولان:
أحدهما: أن المراد بها: التهديد، فعلى هذا: هي محكمة.
والثاني: أن المراد بها ترك القتال؛ فعلى هذا: هي منسوخة بآية السيف. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ}
قرأ أبو بكر بالجمع {مكاناتكم}.
والمكانة الطريقة.
والمعنى: اثبتوا على ما أنتم عليه فأنا أثبت على ما أنا عليه.
فإن قيل: كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار.
فالجواب أن هذا تهديد؛ كما قال عز وجل: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلًا وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا} [التوبة: 82].
ودلّ عليه {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} أي العاقبة المحمودة التي يحمد صاحبها عليها، أي من له النصر في دار الإسلام، ومن له وراثة الأرض، ومن له الدار الآخرة، أي الجنة.
قال الزجاج: {مكانتكم} تمكّنكُم في الدنيا.
ابن عباس والحسن والنخَعيّ: على ناحيتكم.
القُتَبيّ: على موضعكم.
{إِنَّي عَامِلٌ} على مكانتي، فحذف لدلالة الحال عليه.
و{مَنْ} مِن قوله: {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} في موضع نصب بمعنى الذي؛ لوقوع العلم عليه.
ويجوز أن تكون في موضع رفع؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله فيكون الفعل معلقًا.
أي تعلمون أيّنا تكون له عاقبة الدّار؛ كقوله: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى} [الكهف: 12] وقرأ حمزة والكِسائيّ من يكون بالياء. اهـ.